هــــــذه الآية الكريمة جاءت في نهاية الخمس الأول من سورة المؤمنون وهي سورة مكية, وآياتها(118) بعد البسملة, ويدور محورها الرئيسي حول قضية الإيمان بالله, وصفات المؤمنين بألوهيته, وربوبيته, ووحدانيته, ودلالات ومؤشرات التوحيد الخالص لله, وتنزيهه( سبحانه وتعالي) عن كل وصف لا يليق بجلاله, ومقارنة هذا الإيمان الصادق بأضداده من الشرك بالله أو الكفر به( تعالي الله عن ذلك الضلال علوا كبيرا).
وقد سميت السورة باسم( المؤمنون) إشادة بهم, وتأكيدا علي فضائلهم, وتمييزا لهم عن غيرهم ممن استزلهم الشيطان فأغرقهم في أوحال الشرك أو الشك أو الكفر بالله.
وهذه السورة الكريمة بشارة للمؤمنين برضاء الله عنهم. لذلك استهلت بقول الحق( تبارك وتعالي):
قد أفلح المؤمنون* الذين هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللغو معرضون* والذين هم للزكاة فاعلون* والذين هم لفروجهم حافظون* إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون* والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون* والذين هم علي صلواتهم يحافظون* أولئك هم الوارثون* الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون*
(المؤمنون:1 ـ11)
ثم انتقلت السورة الكريمة الي استعراض عدد من آيات الله في الخلق للدلالة علي طلاقة قدرة الخالق( سبحانه وتعالي) وفي مقدمة تلك الآيات خلق الإنسان من طين, ومروره بمراحل الجنين المتتالية في تتابع خلقه حتي أنشأه الله( تعالي) خلقا آخر,وحتمية موته ثم بعثه في يوم القيامة, ومن تلك الآيات خلق سبع سموات متمايزة, وإنزال الماء من السماء بقدر, وإسكانه في الأرض, علما بأن الله( تعالي) قادر علي الذهاب به, وتتضح القدرة الإلهية المبهرة في إنبات الأرض بمجرد إنزال الماء عليها, وإنشاء جنات من نخيل وأعناب وغيرها من أشجار, ونباتات الحبوب والثمار, والفواكه والخضروات الكثيرة ليأكل منها الإنسان وأنعامه, وغير ذلك من الحيوانات آكلة الأعشاب, وخصت هذه السورة المباركة من بين ذلك كله شجرة الزيتون التي وصفتها بقول الحق( تبارك وتعالي):
وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين*
(المؤمنون:20
وتحدثت الآيات عن معجرة خلق الأنعام, وتكوين اللبن في أضراعها من بين دمها والفرث في أحشائها, وما في تلك الأنعام من منافع عديدة للإنسان, وأشارت إليها وإلي الفلك كوسيلة من وسائل النقل لهذا المخلوق المكرم من الله.
وبعد ذلك انتقلت السورة الكريمة الي سرد قصص عدد من أنبياء الله ورسله الذين اصطفاهم الله( تعالي) لهداية أممهم, وأكدت أن رسالتهم جميعا كانت رسالة واحدة ألا وهي التوحيد الخالص لله( تعالي) بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد, وكانت دعوة كل واحد منهم الي أمته دعوة واحدة تعبر عنها السورة الكريمة بقول الحق( تبارك وتعالي):
أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.
وسجلت سورة( المؤمنون) تفاعل تلك الأمم مع رسالات ربهم, ومن هذه الأمم أمة كل من أنبياء الله نوح, وهود, وصالح, وأعداد أخري أرسلهم الله نبيا إثر نبي, ورسولا إثر رسول, حتي جاء زمان موسي وهارون, ثم زمان عيسي ابن مريم( علي رسولنا وعليهم جميعا من الله السلام), وكان أمر الله( تعالي) إليهم واحدا مؤكدا علي وحدة رسالة السماء, وعلي الأخوة بين الأنبياء, وعلي وحدة الجنس البشري كله, وإن كان أتباع تلك الرسالات قد تفرقوا, واختلفوا, وابتدعوا, فيما أرسل إليهم فأفسدوه إفسادا كبيرا وظنوا أن ما يمدهم به الله من مال وبنين هو خير لهم. وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي):
ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم* وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون* فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون* فذرهم في غمرتهم حتي حين* أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين* نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون*
(المؤمنون:51 ـ56).
وتعاود السورة الكريمة سرد المزيد من صفات المؤمنين فتنعتهم بقول ربنا( تبارك وتعالي):
إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون* والذين هم بآيات ربهم يؤمنون* والذين هم بربهم لا يشركون* والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم الي ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون* ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون*
(المؤمنون:57 ـ62).
وفي مقابلة واضحة لصفات المؤمنين ذكرت السورة بعض صفات الكفار والمشركين ممثلين في كفار قريش ومشركيهم ومن يسير علي خطاهم الي يوم الدين, عارضة لشيء من حسرتهم يوم القيامة وفي ذلك تقول الآيات:
بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون* حتي إذا اخدنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون* لاتجأروا اليوم إنكم منا لاتنصرون* قد كانت آياتي تتلي عليكم فكنتم علي أعقابكم تنكصون* مستكبرين به سامرا تهجرون* أفلم يدبروا القول أم جاءهم مالم يأت آباءهم الأولين* أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون*
(المؤمنون:63 ـ69)
ثم عاودت السورة الكريمة الاستشهاد بعدد من آيات الله الدالة علي طلاقة قدرته ومنها خلق السمع والأبصار والأفئدة, ونشر الجنس البشري في الأرض. وحتمية حشر جميع الخلائق الي الله, الذي هو يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار.
وردت السورة الكريمة علي الذين ينكرون البعث, والذين يتهمون وحي السماء زورا بأنه من أساطير الأولين, واستعرضت حوارا بين خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) وبين الكفار والمشركين.
ونزهت الذات الالهية عن كل من الولد والشريك لانهما من صفات المخلوقين التي لاتليق بجلال الله, وفي ذلك تقول:
ما اتخذ الله من ولد وماكان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم علي بعض سبحان الله عما يصفون* عالم الغيب والشهادة فتعالي عما يشركون*.
(المؤمنون:92,91)
وتنتقل الآيات إلي وصف ذل كل من الكفار والمشركين في ساعات احتضارهم, وبعد بعثهم, وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي):
حتي اذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون* لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الي يوم يبعثون* فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولايتساءلون* فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون* ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون* تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون* ألم تكن آياتي تتلي عليكم فكنتم بها تكذبون* قالوا ربنا غلبت علينا شقوئنا وكنا قوما ضالين* ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون* قال اخسأوا فيها ولا تكلمون*.
(المؤمنون:99 ـ108)
وتقارن الآيات بعد ذلك بين موقف المؤمنين الذين يطلبون المغفرة والرحمة من الله( تعالي), وموقف الكفار والمشركين الذين كانوا يقفون من المؤمنين موقف الاستهزاء والسخرية والضحك منهم فجزي الله المؤمنين بان جعلهم الاعلون في الدنيا والفائزين في الاخرة.
وتختتم السورة الكريمة بالتأكيد علي أن البشر لم يخلقوا عبثا, وانهم حتما راجعون الي الله, وعظمت الله الملك الحق الذي لا اله الا هو رب العرش الكريم, واستنكرت شرك المشركين الذين هددتهم بعقاب شديد من الله, ونعتتهم بالكافرين, وقررت انهم لايفلحون ابدا, وفي المقابل وجهت رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ ومن ورائه كل المؤمنين ببعثته الشريفة ـ ان يطلبوا المغفرة والرحمة من الله خير الراحمين, وفي ذلك تقول الايات
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون* فتعالي الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم* ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لايفلح الكافرون* وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين.
(المؤمنون:115 ـ118)من ركائز العقيدة في سورة( المؤمنون):
من ركائز العقيدة الاسلامية التي جاءت بها سورة( المؤمنون) الايمان بما يلي:
(